فصل: حرب سفاح بن هبيرة مع قحطبة ومقتلهما وفتح الكوفة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.حرب سفاح بن هبيرة مع قحطبة ومقتلهما وفتح الكوفة.

ولما قدم على يزيد بن هبيرة ابنه داود منهزما من حلوان خرج يزيد للقاء قحطبة في مدد لا يحصى وكان مروان أمده بحوثرة بن سهيل الباهلي فسار معه حتى نزل حلوان واحتفر الخندق الذي كانت فارس احتفرته أيام الواقعة وأقام وأقبل قحطبة إلى حلوان ثم عبر دجلة إلى الأنبار فرجع ابن هبيرة مبادرا إلى الكوفة وقدم إليها حوثرة في خمسة عشر ألفا وعبر قحطبة الفرات من الأنبار لثمان من المحرم سنة اثنتين وثلاثين وابن هبيرة معسكر على فم الفرات وعلى ثلاثة وعشرين فرسخا من الكوفة ومعه حوثرة وفل ابن ضبارة وأشار عليه أصحابه أن يدع الكوفة ويقصد هو خراسان فيتبعه قحطبة فأبى إلا البدار إلى الكوفة وعبر إليها دجلة من المدائن وعلى مقدمته حوثرة والفريقان يسيران على جانب الفرات وقال قحطبة لأصحابه إن الإمام أخبرني بأن وقعة تكون بهذا المكان والنصر لنا ثم دلوه على مخاضة فعبر منها وقاتل حوثرة وابن نباتة فانهزم أهل الشام وقعد قحطبة وشهد مقاتل العللي بأن قحطبة عهد لابنه الحسن بعده فبايع جميع الناس لأخيه الحسن وكان في سرية فبعثوا عنه وولوه ووجد قحطبة في جدول هو وحرب بن كم ابن أحوز وقيل: إن قحطبة لما عبر الفرات وقاتل ضربه معن بن زائدة فسقط وأوصى إذا مات أن يلقى في الماء ثم انهزم ابن نباتة وأهل الشام ومات قحطبة وأوصى بأمر الشيعة إلى أبي مسلم الخلال بالكوفة وزير آل محمد ولما انهزم ابن نباتة وحوثرة لحقوا بابن هبيرة فانهزم إلى واسط واستولى الحسن ابن قحطبة على ما في معسكرهم وبلغ الخبر إلى الكوفة فثار بها محمد بن خالد القسري بدعوة الشيعة خرج ليلة عاشوراء وعلى الكوفة زياد بن صالح الحارثي وعلى شرطته عبد الرحمن بن بشير العجلي وسار إلى فهرب زياد ومن معه من أهل الشام ودخل القصر ورجع إليه حوثرة وعن محمد عامة من معه ولزم القصر ثم جاء قوم من بجيلة من أصحاب حوثرة فدخلوا في الدعوة ثم آخرون من كنانة ثم آخرون من نجدل فارتحل حوثرة نحوه وكتب محمد إلى قحطبة وهو لم يعلم بهلاكه فقرأه الحسن على الناس وارتحل نحو الكوفة فصبحها الرابعة من مسيرة وقيل إن الحسن بن قحطبة سار إلى الكوفة بعد قتل ابن هبيرة وعليها عبد الرحمن بن بشير العجلي فهرب عنها وسبق محمد بن خالد وخرج في إحدى عشر رجلا فلقى الحسن ودخل معه وأتوا إلى أبي مسلمة فاستخرجوه من بني مسلمة وعسكر بالنخيلة ثم نزل حمام أعين وبعث الحسن بن قحطبة إلى واسط لقتال ابن هبيرة وبايع الناس أبا مسلمة حفص ابن سليمان الخلال وزير آل محمد واستعمل محمد بن خالد القسري على الكوفة وكان يسمى الأمير حتى ظهر أبو العباس السفاح وبعث حميد بن قحطبة إلى المدائن في قواد والمسيب بن هبيرة وخالد بن مرمل إلى دير فناء وشراحيل إلى عير وبسام بن إبراهيم بن بسام إلى الأهواز وبها عبد الرحمن بن عمر بن هبيرة فقاتله بسام وانهزم إلى البصرة وعليها مسلم بن قتيبة الباهلي عاملا لأخيه وبعث بسام في أثره سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب واليا على البصرة فجمع سالم قيسا ومضر وبني أمية وجاء قائد من قواد ابن هبيرة في ألفي رجل وجمع سفيان اليمانية وحلفاءهم من ربيعة واقتتلوا في صفر وقتل ابن سفيان واسمه معاوية فانهزم لذلك ثم جاء إلى سالم أربعة آلاف مددا من عند مروان فقاتل الأزد واستباحهم ولم يزل بالبصرة حتى قتل ابن هبيرة فهرب عنها واجتمع ولد الحرث بن عبد المطلب إلى محمد بن جعفر فولوه أياما حتى قدم أبو مالك عبد الله بن أسيد الخزاعي من قبل أبي مسلم فلما بويع أبو العباس السفاح ولاها سفيان بن معاوية.

.بيعة السفاح.

قد كنا قدمنا خبر الدعاة وقبض مروان على إبراهيم بن محمد وأنه حبسه بحران وكان نعى نفسه إلى أهل بيته وأمرهم باللحاق بالكوفة وأوصى على أخيه أبي العباس عبد الله ابن الحريثة فسار أبو العباس ومعه أهل بيته وفي إخوته أبو جعفر المنصور وعبد الوهاب ومحمد ابن أخيه إبراهيم وعيسى ابن أخيه موسى ومن أعمامه داود وعيسى وصالح وإسمعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو علي بن عبد الله بن عباس وموسى ابن عمه داود ويحيى بن جعفر بن تمام بن العباس فقدموا الكوفة في صفر وأبو سلمة والشيعة على حمام أعين بظاهر الكوفة وأنزلهم أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بني أود وكتم أمرهم عن جميع القواد والشيعة أربعين ليلة وأراد فيما زعموا أن يحول الأمر إلى أبي طالب وسأله أبو الجهم من الشيعة وغيره فيقول: لا تعجلوا ليس هذا وقته ولقي أبو حميد محمد بن إبراهيم ذات يوم خادم إبراهيم الإمام وهو سابق الخوارزمي فسأله عن الإمام فقال: قتل إبراهيم وأوصى إلى أخيه أبي العباس وها هو بالكوفة ومعه أهل بيته فسأله عن اللقاء فقال: حتى أستأذن وواعده من الغد في ذلك المكان وجاء أبو حميد إلى أبي الجهم فأخبره وكان في عسكر أبي سلمة فقال له: تلطف في لقائهم فجاء إلى موعد سابق ومضى معه ودخل عليهم فسأل عن الخليفة فقال داود بن علي: هذا إمامكم وخليفتكم يشير إلى أبي العباس فسلم عليه بالخلافة وعزاه بإبراهيم الإمام ورجع ومعه خادم من خدمهم إلى أبي الجهم فأخبره عن منزلهم وأن أبا العباس أرسل إلى أبي سلمة أن يبعث إليه كراء الرواحل التي جاؤا إليها فلم يبعث إليهم شيئا فمشى أبو الجهم وأبو الحميد والخادم إلى موسى بن كعب وأخبروه بالأمر وبعثوا إلى الإمام مائتي دينار مع خادمه واتفق رأي القواد على لقاء الإمام فنهض موسى بن كعب وأبو الجهم عبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد وعبد الله الطائي وإسحق بن إبراهيم وشراحيل وأبو حميد وعبد الله ابن بسام ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن حصن وسليمان بن الأسود فدخلوا على أبي العباس فسلموا عليه بالخلافة وعزوه في إبراهيم ورجع موسى بن كعب وأبو الجهم وخلفوا الباقين عند الإمام وأوصوهم إن جاء أبو سلمة لا يدخلن إلا وحده وبلغه الخبر فجاء ودخل وحده كما حدوا له وسلم على أبي العباس بالخلافة وأمره بالعود إلى معسكره وأصبح الناس يوم الجمعة لإثنتي عشرة خلت من ربيع الأول فلبسوا الصفاح واصطفوا للخروج إلى أبي العباس وأتوه بالدواب له ولمن معه من أهل بيته وأركبوهم إلى دار الإمارة ثم رجع إلى المسجد فخطب وصلى بالناس وبايعوه ثم صعد المنبر ثانية فقام في أعلاه وصعد عمه داود فقام دونه وخطب خطبته البليغة المشهورة وذكر حقهم في الأمر وميراثهم له وزاد الناس في أعطياتهم وكان موعوكا فاشتد عليه الوعك فحبس على المنبر وقام عمه داود على أعلى المراقي فخطب مثله وذم سيرة بني أمية وعاهد الناس على إقامتة الكتاب والسنة وسيرة النبي ثم اعتذر عن عود السفاح بعد الصلاة إلى المنبر وأنه أراد أن لا يخلط كلام الجمعة بغيرها وإنما قطعه عن إتمام الكلام شدة الوعك فأدعوا الله له بالعافية ثم بالغ في ذم مروان وشكر شيعتهم من أهل خراسان وأن الكوفة منزلهم لا يتخلون عنها وأنه ما صعد هذا المنبر خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد وأشار إلى السفاح وأن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا حتى نسلمه لعيسى بن مريم ثم نزل أبو العباس وداود أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه أبا جعفر في المسجد يأخذ البيعة على الناس حتى جن الليل وخرج أبو العباس إلى عسكر أبي سلمة ونزل معه في حجرته بينهما ستر وحاجب السفاح يومئذ عبد الله بن بسام واستخلف على الكوفة عمه داود وبعث عمه عبد الله إلى أبي عون بن يزيد بشهرزور وبعث ابن أخيه موسى إلى الحسن ابن قحطبة وهو يحاصر ابن هبيرة بواسط وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن العباس إلى أحمد ابن قحطبة بالمدائن وبعث أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام إبراهيم بن بسام بالأهواز وبعث سلمة بن عمر بن عثمان بن مالك ابن الطواف وأقام السفاح بالعسكر شهرا ثم ارتحل فنزل قصر الإمارة من المدينة الهاشمية وقد قيل إن داود بن علي وابنه موسى لم يكونا بالشام عند مسير بني العباس إلى الكوفة وإنهما لقياهم بدومة الجندل فعرفا خبرهم وقال لهم داود: كيف تأتون الكوفة ومروان بن محمد في حران في أهل الشام والجزيرة فطل على العراق ويزيد بن هبيرة بالعراق؟ فقال: يا عم من أحب الحياء ذل فرجع داود وابنه معه.